في لحظة معينة بتبدأ الحياة تفقد لونها، مش مرة واحدة، لأ، ببطء قاتل، نقطة ورا نقطة، لحد ما كل حاجة تتحول لرماد باهت. مش علشان اتدلعت، ولا علشان ما حاولتش، بالعكس، علشان جرّبت أكتر من اللازم، لدرجة إني نسيت نفسي في النص. كنت فاكر إني ببني، بس الحقيقة إني كنت بنهار. كنت بضحك في وش الكل وبنزف جوايا في سكات، زي واحد بيصلّح سفينة بتغرق وهو أصلاً ما بيعرفش يعوم. أنا مش بلعب دور الضحية، أنا الضحية، بس مش بشتكي، لأن الوجع في مرحلته الأخيرة بيبطل يصرّخ، بيبقى هادي، بارد، شبه العدم. أنا ماعدتش عايز أكون حاجة، مش تمرد، ومش كسل، ومش ضعف، الفكرة نفسها بطّلت تعنيلي، لأنك لما تبقى فاضي من جوا، مفيش هدف بيغريك، مفيش حلم بيشدك، مفيش صوت بيزعّق في ودنك يقولك “كمّل”. الطموح؟ شفته على حقيقته. ساعات بيكون مجرد فخ، تفضل تجري وراه، تفتكر إنه خلاص، وهوب، يختفي، وتفضل تايه في النص. دلوقتي؟ أنا مش عايز أبقى ناجح، ولا مشهور، ولا حتى محبوب، أنا بس عايز أعدي، من غير وجع أكتر، من غير ضغط، من غير مقارنة، من غير ما حد يجي يقولي "شد حيلك". أنا مش واقع، أنا سايب نفسي بإرادتي، يمكن دي أول مرة أمارس فيها حقي إني ما أكونش. آه، أنا عارف إني صغير ولسه في بداية العشرينات، وتجربتي في الحياة مش طويلة، بس والله مستنزف بشكل بشع، واللي بيحصل جوايا أكبر من سني بكتير. مشكلتي مش إني مش عارف أبدأ، مشكلتي إني مش قادر أتحرك من كتر ما جوايا مكسور، والناس؟ شغالة لوم وعتاب وتحفيز شكله سم، يقولك لازم تتحرك، لازم تقوم، لازم تنقذ نفسك، ومافيش حد هينقذك، طيب تمام، أنا مش عايز حد ينقذني، بس على الأقل ماحدش يزيد عليّ. شوفوني زي ما تشوفوني، بس افهموا إني مش قادر. الناس حواليا مش شايفين، ويمكن دي مش غلطتهم، أنا اتعلمت ألبس وِشّين، واحد بيطمنهم إني تمام، والتاني… أنا معرفوش خلاص. أنا من زمان مش بخير، بس بطّلت أستغرب، بطّلت أقاوم، بقيت بتقبل، بتعايش، بنسى. الناس بتفتكر اللي سايب نفسه ده مستهتر، بس محدش يعرف إن في ناس بتبطل تحاول، مش علشان ضعاف، بس علشان النجاة مبقتش تفرق. أنا مش ميت، بس كل حاجة جوايا ماتت على مراحل، وكل يوم بدفن جزء مني، في هدوء، من غير جنازة، من غير نعي، من غير دموع، ومن غير ما حد ياخد باله. والموت مش دايمًا بييجي بقلب واقف… ساعات بييجي بروح مطفية، ولسه بتتنفس

6

4