أعيش كظل في مشهد تكرر كثيرًا

Popcorn_52020 🇪🇬

منذ 4 أيام

كان يستيقظ كل صباح دون أن يتأكّد حقًّا إن كان قد نام؛ لم يكن ثمّة فرق واضح بين الغياب والعودة، وكأنّ الليل لم يكن إلا استراحة مؤقّتة من وعيٍ مُتعب، لا من الحياة ذاتها. يفتح عينيه ويشعر كأنّ العالم مستمرّ من دونه، وكأنّ حضوره لا يُضيف شيئًا سوى ظلٍّ يتحرّك ويؤدّي دوره بصمتٍ تام. لم يعُد يتوقّع من الأيام جديدًا؛ بل صار مرورها أشبه بتقليب صفحات كتابٍ قرأه مرارًا حتى بهتت كلماته. الوجوه ذاتها، الأحاديث ذاتها، الضحكات المُستعارة التي تُفتعل في الوقت الخطأ، والنظرات التي لا تصل؛ كلّ شيءٍ يسير بدقّةٍ مملّة، وكأنّ الحياة قرّرت أن تحتفظ به كديكورٍ صامت في مشهدٍ تكرّر كثيرًا حتى نسي مَن فيه ما كانوا يحاولون قوله. كان يسير، لكن لا وجهة له؛ ينظر، لكن لا يرى؛ يسمع، لكن لا يُنصت؛ لا شيء يُدهشه، ولا شيء يُوجعه؛ ليس لأنّه تعافى، بل لأنّ الألم نفسه قد تبلّد. صار يحيا بعادة النجاة، لا برغبتها؛ يمرّ بكلّ شيء كأنّه يعتذر عنه بصمته. الأشياء التي أحبّها يومًا صارت ثقيلة، والأماكن التي كانت تشبهه لم تعُد تستدعيه؛ حتى المرايا باتت تعكس شكله، لا صورته. ثمّة تعبٌ لا يُرى في ملامحه، لكنه حاضرٌ في طريقة تنفّسه، في وقوفه الطويل أمام اللاشيء، في التواء شفتيه عند السؤال العادي، في نظرته حين يُفترض به أن يفرح. كلّ ما حوله يطالبه بردود فعل لا يملكها، يطلب حياةً لم تَعُد فيه؛ صار يبتسم كمن يُجيد التصرّف، ويتحدّث كمن يُؤدّي دوره بإتقان، لكنه في داخله لا يسمع شيئًا سوى الصدى، ولا يرى شيئًا سوى العتمة التي لم تعُد تُخيفه؛ بل صارت تُؤنسه. لم يكن ينتظر شيئًا بعينه، لكنه كان يشعر طوال الوقت أنّ هناك أمرًا ما ناقصًا، ضائعًا، مؤجّلًا؛ شيءٌ ما لم يأتِ، ولن يأتي، وربّما لا اسم له أصلًا؛ شيءٌ لو جاء، لما عرف كيف يُمسك به، ولو غاب، لن يعرف كيف يفتقده. كان خفيفًا على من حوله، وثقيلًا على نفسه؛ حاضرًا كظلّ، غائبًا كنبضٍ نائم؛ كأنّه لم يعُد يملك حقّ الانفعال، ولا حتى حقّ الاعتراض؛ فقط يُراقب بصمت، ويُواصِل، وكأنّ لا شيء قد حدث، وكأنّ كلّ شيءٍ قد انتهى منذ زمن

هل كانت هذه المعلومات مفيدة؟

0

0