Coffee_63907 🇪🇬's فكرة
Coffee_63907 🇪🇬
منذ 4 أيام
السماء كانت تميل إلى لون الرماد، كأنها حزينة على البشر. الغبار كان يتراقص في الهواء مثل أرواح حائرة، والضجيج حوله بدا وكأنه صدى لانهيار داخلي يحدث فيه هو نفسه. الأصوات ترتفع، صرخات، دعوات، سيارات تتصادم، أطفال يبكون، وكل شيء من حوله يقول إن النهاية قريبة. لكن وسط كل هذا... كان هو. واقف، عاجز عن الحركة، كأن الوقت توقف داخله، حتى لو استمر بالخارج. كل ما شعر به هو ثقل في صدره، كما لو أن قلبه صار حجرًا، ثقيلًا، مبللًا بالندم. رفع عينيه للسماء. كأن السماء تنظر له أيضًا. لا برق، لا رعد. فقط سكون ثقيل، كأنها تنتظره أن يتكلم. فتح فمه... أراد أن يقول "سامحني"، أراد أن يطلب الغفران. لكن لم تخرج منه سوى الحقيقة المجردة، عارية من كل شيء: "أنا كنت بحبها..." "كنت عايزها معايا، مشيت من حياتي بس ما خرجتش مني..." "يمكن ما استاهلهاش، بس كنت شايفها حياة." صوته ما كانش عالي، لكن الإحساس كان طاغٍ. دمعة انزلقت من عينه بدون ما يحاول يخفيها، ما عادش فيه وقت للكبرياء. وقف هناك، في قلب الهرج والمرج، شخص بسيط جدًا في لحظة صدق مطلقة. ما طلبش شيء، ما حاولش يشرح، بس قلبه كان مفتوح للسماء، كأنها آخر مرة هيقدر فيها يكون صادق مع نفسه. ظل واقفًا، لا يتحرك، وكأن الزمن نفسه منحه لحظة هدنة. كانت الفوضى ما زالت مستمرة حوله، لكن داخله... بدأ شيء غريب يحدث. هدأت دقات قلبه قليلاً، وبدأ يسمع صوته الداخلي بوضوح أكثر من أي وقت مضى. "أنا لسه بحبها؟ ولا دي مجرد ذكرى؟ لو كانت ذكرى... ليه قلبي بيتوجع كده؟ ولو كانت حقيقية... ليه بعدنا؟ أنا غلطت؟ ولا هي؟ ولا إحنا الاتنين خفنا؟" كان في داخله طفل صغير يبكي، يمد يده لنسخة من الماضي، لكنها تذوب كلما اقترب. كانت في كل مكان... في صوت الريح، في الدموع اللي ما نزلتش، في الحنين اللي ما سكتش. وفجأة... وسط الصمت اللي داخله، حس كأن في شيء بيتكلم جواه: "يمكن الحب ما يخلصش... بس الثقة، لما تنكسر، بتحتاج معجزة." وهنا... ساد سكون غريب. كأن الكون كله بيقوله: دلوقتي قرارك. إما تفضل واقف في نص الطريق... أو تبدأ تمشي، حتى لو كنت لوحدك. كان واقف في نفس المكان، نفس الزحام، لكن كل شيء بقى أهدى جواه. كأنه قدر يسمع نفسه لأول مرة من سنين. مشاعره ما كانتش واضحة، لكن وجعه كان صادق. حاول ياخد خطوة، بس رجله اتقلّت. كأنه مربوط بذكريات، بخوف، بندم. كأنه بيقول لنفسه: "أنا مش قادر أتحرك، مش عشان رجلي، عشان أنا مش عارف رايح فين." هو مش بيتألم بس عشان الحب ضاع، هو بيتألم عشان حاسس إنه السبب، أو يمكن لأنه ساب حاجة غالية تروح وهو ساكت، أو لأنه لحد اللحظة دي... لسه مش متأكد هو يستاهلها؟ يستاهل أي حب أصلاً؟ مدّ إيده، كأنه كان بيشد في الهوا، لكن ما كانش بيحاول يمسك حاجة، كان بيحاول "يودّع"، أو "يرجع"، هو نفسه ماكانش عارف. كأن اللي بينه وبين نفسه بقى مواجهة صريحة: "أنت بتحب؟ طيب بتعرف تحافظ؟ أنت ندمان؟ طيب بتعرف تتغير؟ ولا أنت بس بتشتاق علشان تهرب من وحدتك؟" الأسئلة دي كانت بتخبط فيه، واحدة ورا التانية، لحد ما حس إن مفيش حاجة فيه سليمة. بس في وسط الوجع دا كله، حصل حاجة صغيرة... بسيطة جدًا، بس فرقت. نفسه، اللي كانت متقطعة، بدأت تنتظم. دموعه، اللي كانت محبوسة، نزلت بهدوء. وأخد خطوة. خطوة واحدة بس. بس كانت أول خطوة ليه ناحية "نفسه". داخل الفراغ. لا جدران. لا أرض. فقط العتمة. صوت خفيف، متردد، يخرج من مكان مجهول: الطفل (بهمس): "أنا كنت عايز أفهم... كنت بس عايز أبقى معاك، أشاركك اللي بتحسه، ليه دايمًا بتبعدني؟" صوت الشخصية المسيطرة، هادي، لكنه قاطع. صلب زي حديد: "أنت السبب. أنت اليوم ضعفت. أنت اللي بكيت أول مرة... وسبتني أتشكل من وجعك." الطفل: "بس أنا كنت صغير... ما كنتش أعرف أتحمل..." الشخصية المسيطرة (يقاطعه): "بالضبط. عشان كده أنا اللي خرجت. أنا اللي واجهت الخيانة، الفقد، الوحدة، أنا اللي ما نمتش، ما حبيت، ما بَكَيتش، علشان تبقى إنت جوه، سليم... مغلّف بالبؤس، بس سليم." الطفل: "بس أنا بقيت لوحدي." الشخصية المسيطرة (ببرود): "الوحدة دي أرحم من العالم اللي أنا عايشه. أنا ما خلقتش علشان أعيش بيك... أنا خلقت علشان أحميك، إنت تبقى جوه. أنا اللي برا. أنا اللي بشيل." الطفل (يحاول يقرب، صوته مكسور): "بس أنا... أنا اشتقتلك." الشخصية المسيطرة (بجفاف): "مش من حقك. إنت مش هنا عشان تشتاق. إنت هنا... عشان تفضل بعيد. عشان كل ما ترجع، تتألم، تتكسر، وأنا... أرجع أقوى." صمت... الطفل يسكت. ما يعرفش يرد. بس العتمة جوّاه بتتسع. مشهد بدون ضوء، بدون خلاص، فقط سؤال بيتكرر: "هو اللي بيحميني... بيحبني؟ ولا بيحب السلطة اللي أخدها لما أنا وقعت؟" المكان ظلمة... ضوء ضعيف بيقع من فوق، كأنه شعاع على شخص راكع لوحده. صوته ما بيطلعش... بيحاول يصلي، بيحاول يفتكر، لكن الكلام محبوس، ودماغه مليانة بصوت واحد... الصوت – الشخصية المسيطرة (متكلمًا بعنف مكبوت، بين الضعف والغضب): "انت السبب... انت! انت اللي شدّيت قلبي ليها، وانا كنت قافل، كنت ماسك نفسي، كنت عامل اللي عليا... بس انت... انت قلبك طيب زيادة. كل ما كنت أبني جدار، انت تكسره بابتسامة. كل ما أقول انتهينا، تروح تفتكرها. أنا كنت بحميك! كنت واقف لوحدي في وش العالم، كنت بصد كل حاجة، وانت... كنت بتسرّب الحنين زي تسريب الميّة في جدار بيت قديم." (صوت تنفس متقطع... ضيق حقيقي) "أنا وقعت دلوقتي... أنا اللي كنت بحميك، دلوقتي ما بقيتش نافع. حتى أنا... بقيت عايز حد يحميني." (يسكت لحظة... صوته يبقى أوطى، كأنه بيهمس لنفسه) "كل ده... كل ده، وفي الآخر واقف لوحدي، بصلي بس مش عارف أقول حاجة... مش عارف أطلب. مش عارف أندم. ولا حتى أبرر." (يرفع راسه في الفراغ، يحاول يشوف، لكن مفيش حد) "يمكن... يمكن إحنا الاتنين دلوقتي محتاجين حد تاني. مش طفل، مش راجل... محتاجين جانب جديد، يمكن ما عرفناهوش قبل كده. يمكن هو اللي يعرف يخلّصنا من نفسنا." المكان ساكن... مفيش صوت غير صوت التنفس اللي مش متأكد إذا كان خوف، ولا راحة، ولا تعب. الطفل قاعد على الأرض، إيده بين رجليه، بيبص لتحت. صوته يطلع وهمس ضعيف، فيه تساؤل بريء: "هو احنا خلاص؟ كده؟" والرجل اللي انكسر واقف، ضهره للطفل، إيده مشدودة، صوته مبحوح بالغضب اللي تعب: "ما تسألنيش! أنا اللي وقفت... أنا اللي اتحملت. كل ده عشانك. وبعدين لما أنا وقعت، مفيش حد شالني. أنا بقيت بصرخ جوايا، وانت كنت ساكت... زيك زيهم." لحظة صمت طويلة... وفجأة... صوت ثالث... من مكان مش معروف، لكن مش مفاجئ. بيتكلم كأنه كان سامعهم من البداية. هادئ. ثابت. عميق... لدرجة إنك ما تعرفش إذا كان بيطبطب ولا بيحكم. "انتو الاتنين... قاعدين بتلوموا بعض؟ ولا بتحاولوا تهربوا من اللي انتو بقيتوا عليه؟" الطفل يرفع عينه، والرجل يلف ببُطء. بس ما حدش بيقدر يقول حاجة. الصوت يكمل. نفس الهدوء. مفيش حِدة. بس فيه شيء يخليك مش عارف تتنفس كويس: "البراءة مش حجة. والوجع مش مبرر. وإنتو الاتنين... نسيتوا إن كل ده حصل جوا عقل واحد. مش فريقين... ده كيان واحد، بيتفتت." مفيش ملامح. مفيش شكل. بس حضوره موجود، كأنه بيملأ المكان. "أنا مش جاي أطبطب، ولا أوبخ. أنا جاي أقولكم... إنتو مش هتخرجوا من هنا لو فضلتوا كل واحد بيحمي نفسه من التاني." "البراءة اللي مش عايزة تشوف، والقوة اللي ما بقتش تقدر تحمي، الاتنين لازم يتكسروا... عشان نعرف نعيش." الصوت، بنبرة مالهاش اتجاه، مالهاش لون... هادئة جدًا، بس تقطع زي السكينة: "أنا مش واحد منكم. أنا مش جاي أكمل اللي بدأته، ولا أنقذ اللي ضاع. أنا هنا... عشان أوقف العبث." يسكت ثانية، كأن السكون نفسه بيتنظّم حواليه. ثم يكمل: "من النهاردة... مفيش لوم. مفيش رجوع. كل حاجة حصلت... هتتحط قدامكم. كل لحظة خبّيتوها، كل مرة اختارتوا الصمت بدل الصراحة، كل مرة هربتوا من اللي كان لازم يتواجه." "أنا مش هختار. لكن هخليكم تختاروا... بس بعد ما تعرفوا الحقيقة كاملة." "اللي جاي مش سهل، لأن اللي حصل جوه هنا... كان أسوأ من أي حاجة حصلت برا." "ما حدش هيبقى قائد. ولا حد هيتخبّى ورا نبرة صوته. البراءة هتتكلم... والوجع هيتسمع... وكل صوت تاني كان مدفون، هيخرج." "أنا مش هقف في صف حد. بس كل مرة حد فيكم هيكذب، هكون موجود." "أنا مش واحة... أنا مرآة. هتشوفوا فيها نفسكم... وأي حاجة مش قادرة تواجه صورتها، هتتكسر." ... الطفل بدأ يتنفس بصعوبة، والرجل ما نطقش، لكنه حس بشيء زي الخوف... بس خوف من إيه؟ يمكن من إنه لأول مرة، مفيش حُجة، ومفيش درع المسيطر افتكر لحظه ما قال انا كنت بحبها بعد ما قالها، سكت. لكن جوه، حاجة اتحركت. مش هو اللي اتكلم، مش الطفل، ولا الظل اللي دايمًا بيحمي. كان صوت تاني... قديم. زي صوت بيتقالله من جوه عقله من سنين، لكنه دايمًا كان ساكت عنه. "بتحبها؟ طيب، بتحب نفسك؟" ما ردش. الصوت كمل، بنفس الهدوء اللي يخوف أكتر من الصراخ: "بتقول مش خرجت منك؟ طيب انت خرّجت نفسك من فين؟" الأصوات جوه بدأت تتداخل. الطفل راح على جنب، قاعد، ضامم ركبته، بيبص على التراب. الظل اللي دايمًا بيحمي، واقف، لكنه دلوقتي ما عندوش ردود، كأنه استُدعِي للمحكمة، بس القاضي هو هو نفسه. "أنا كنت عايز أحميه." الصوت يرد: "لكنك حبسته." "كنت عايز أمنعه يتوجع." "بس منعته يحس." الطفل همس، بصوت شبه مكسور: "أنا كنت نفسي أعيش..." وهنا، السكون اللي حوالينهم بقى شبه فراغ. مفيش عربيات، مفيش صريخ. حتى الصوت الجديد، سكت. لحظة. هو ما بقاش عارف... مين فيهم بيتكلم. ولا إذا كانوا أصلاً لسه تلاتة؟ ولا حاجة واحدة، بتتكلم بصيغ مختلفة؟ "أنا كنت بحبها." بس... الحب نفسه اتشق نصين. الطفل جواه كان بيرتعش. مش من الخوف، لأ — من الإنكار. هو كان شايف المشهد، عايز يصرخ: "ليه لما حبيت، اتكسرت؟ ليه لما صدقت، اتحملت خيانة؟ ليه كل لما ضميت حد، كان اللي بيحصل إني أنا اللي باتساب؟" لكن الطفل ده ما كانش عنده القوة يتكلم بصوت عالي. فصوته طلع في صورة صدى... داخلي، هش، مليان دموع من غير دموع: "أنا كنت محتاجك معايا وقتها..." الظل، اللي كان بيحمي، اتنهد. كان زي أب شايف ابنه بينكسر، بس ما يقدرش يطبطب — لأن دوره مش الطبطبة. دوره يصد الرصاص. لكن الرصاصة اللي جت من جواه، ما عرفش يصدها. "أنا حميت جسمك. بس نسيت قلبك." والصوت الجديد... الهامس الهادئ... ما كانش بيقاطع. كان بيتكلم بعد ما الكل يسكت. بيغزل من وجعهم صورة مشاعرهم زي نسيج واحد، بس بخيوط متنازعة. "اللي حصل... حصل." "لكن إنتو الاتنين، كنتم بتحاولوا تعيشوا بيَّا." "واحد فيكم كان بيهرب، والتاني كان بيستنى." سكت لحظة، وبعدين: "وأنا جاي... مش أحكم، ولا أعدّل. أنا جاي أشوف مين لسه عايز يعيش." وهنا... كلهم سكتوا. السكون ما بقاش راحة. بقى مرآرة. الطفل، وهو قاعد على الأرض، لسه بيضم ركبته، لكن صوته طلع... ما كانش بيبكي، بس في نبرته كان كل صوت بكاه قبل كده ومقدرش يعبّر بيه. "أنا ما كنتش عارف..." بص في عين الحامي اللي كان واقف ساكت، وشه مليان كتمان سنين: "أنا ما كنتش عارف إن كل ده هيحصل..." "أنا كنت فاكرها هتكون معانا، كنت فاكر إن لما نحس، الدنيا هتفهم، وإنك هتقدر تتصرف، تحميني..." سكت، وبعدين: "أنا حبيتها... بس ما كنتش أعرف إن الحب هيكسرنا." الحامي، لأول مرة، انحنى شوية، ووشه بقى في مستوى الطفل. نظره كان مهزوز... مش من الضعف، من الذنب. "أنا كنت بحاول أتصرف، والله كنت بحاول." "بس حبك... حبك شدني، خلى قلبي يضعف. وأنا مش المفروض أضعف، مش المفروض أحب." "أنا اتخلقت عشان أحميك، بس لما شفتك بتتألم... أنا كمان وقعت." سكت شوية، وبعدين قالها بصوت مكسور: "أنا كمان حبيتها..." وهنا، الصوت الثالث... مش داخل يواسي، ولا يلوم. دخل كأنه زمن بيفكّر، أو نهاية بتحكي بلغة الحقيقة المجردة. "المكان ده بينهار." "ده مش حلم. مش خيال. ده يوم القيامة... أو نهايته على الأقل." "وإنتو لسه بتسألوا نفس الأسئلة اللي كُنتوا بتسألوها وانتو أحياء." "ليه؟ إزاي؟ ليه اتكسرت؟ ليه اتخليت؟" "بس مفيش وقت للأسئلة." "الكون بيقفل، وأرواح كتير اتحبست في ماضيها." "إنتو... لو عايزين تفضلوا موجودين، لازم تجروا. مش تهربوا... تجروا تدوروا على نفسكم. على المكان اللي لسه فيه حياة." "مش علشان تصلّحوا اللي فات، لكن علشان تلاقوا اللي جاي." سكت، وبص عليهم بعين هادية خالص، بس مرعبة في هدوئها: "أنا مش هنا علشان أقرر." "أنا هنا علشان أذكركم... إن اللي جاي، لسه ممكن يتخلق. بس مش هيستنّى حد." هدأ كل شيء فجأة، كأن الضجيج نفسه تعب من الصراخ. الصوت الثالث تكلم، بنفس الهدوء اللي يدوّخ: "إحنا مش فاضيين لنبكي على بواقي نفس مش لاقية طريقها... إحنا مش جايين نلوم ولا نعاتب... إحنا جايين نفهم. هنكمل، غصب عننا، بس محتاجين نعرف مين فينا هيمشي قدام، ومين هيختفي جوا." الطفل قال بنبرة مرتعشة، ودموعه بتنزل من غير إذن: "أنا ما كنتش عارف... أنا لما حبيتها، كنت فاكرك هتعرف تحميني... كنت شايف فيك القوة، حتى وإنت ساكت... أنا آسف إني شدتني للحاجة اللي وجعتنا... بس أنا ما كنتش لوحدي، إنت كمان حبيتها، صح؟" المسيطر ما ردش فورًا. صمت، كأنه بيبلع صراخ عمره. ثم قال بصوت مشحون ومكسور: "أنا... أنا ما كنتش مستعد أحب، أنا خلقت عشان أحميك. بس لما قلبك اتفتح، أنا كمان اتفتحت، وما عرفتش أرجع. ضعفك كسرني، وقلبي اتحول لحرب... ما كنتش عايزها، بس كنت عايزك تفضل نقي، بريء، سليم... وأنا دلوقتي ما بقيتش نافع، لا ليك، ولا ليا." الصوت الثالث – نبرته لسه هادئة، لكن أقرب للبرد منها للحنان – "إنتو الاتنين غلطتوا لما فكرتوا إن كل واحد فيكم لوحده. اللي حصل مش هيتصلح، بس إحنا لسه نقدر نعيد ترتيب الخراب. وإلا... هنضيع." لحظة صمت تقيلة. ثم: "اللي جاي مش بسيط. كل شعور دفنتوه، كل لحظة هربتوا منها، هتتحول لصوت. وكل صوت هيسأل: إنت مين دلوقتي؟ ولو معرفتوش تجاوبوا... هيتكلم عنكم حد تاني، وهيقرر هو إنتو تبقوا مين." الشخص الأساسي – هو – رفع عينه تاني للسماء، لكن المرة دي ما كانتش دعوة ولا ندم. كانت لحظة ما بين الحياة والموت، ما بين الصدق الكامل أو الانهيار الأبدي. قال بهمس: "أنا مستعد أسمع... حتى لو الصوت اللي جوايا يقتلني." في المساحة بين الصمت والضجيج... ظهر. ما كانش له ملامح واضحة، لكن صوته؟ كان كأنه كل مرة قالوا فيها "أنا كويس" وهما بينكسروا. قال وهو بيضحك بهدوء قاتل: "فاكريني؟ أنا اللي دخلت أول ما صدقت وعد، أنا اللي كنت نايم جنبك لما طُعنت من أقرب حد، أنا اللي خبّيتني تحت ضحكة، ولبستك وش القوة وانت بتموت." الطفل بدأ يرجع لورا، ملامحه مهزوزة، صوته مخنوق: "إحنا ما كناش عايزينك، إحنا كنا بنحاول نعيش." الخذلان ابتسم، أو على الأقل، ده الإحساس اللي خرج من صمته: "وأنا كنت بحاول أحميكم... بس بطريقتي. لما الناس مشيت، أنا بقيت. أنا اللي علمتكم متثقوش، متحبوش، متتكلموش. أنا اللي خلت كل حاجة جوة تبقى صوت ساكت... وجع مش قادر يصرّخ." المسيطر تقدم، عينه ما رمشتش: "كنا فاكرينك ضعف... طلعنا احنا اللي كنا ضعاف. كنا بنبني حولينا جدران، ندفن بيها كل ذكرى، كل ألم... بس الحقيقة؟ إحنا دفنا نفسنا." الخذلان بص عليه، وسأله: "وإنت؟ لسه شايف إنك تنفع تحميه؟ حتى وإنت السبب إنه فقد اللي حبها؟" لحظة صمت. الصوت الثالث تكلم أخيرًا، بنفس الهدوء اللي بيذبح: "مش مهم مين السبب دلوقتي، المهم: إنتو الاتنين، مستعدين تعيشوا؟ ولا الخذلان هو اللي هيكمل لوحده؟" الطفل بص في الأرض، المسيطر شد نفسه لكنه ما قالش حاجة. الصوت الثالث سأل من غير رحمة: "مين مستعد يعيش؟ ومين يفضل يموت، أو يستخبى؟" لحظة كأن العالم كله وقف. الطفل رفع راسه وقال: "أنا مش عارف أعيش، بس مش عايز أموت. أنا عايز أتعلم إزاي أكون أنا... من غير ما أهرب." المسيطر قال بصوت مهزوز: "أنا تعبت... بس لو رجعت ورا، هو هينهار. أنا مش هقدر أعيش، بس هافضل أحميه... حتى لو ده آخر حاجة أعملها." الصوت الثالث لف عليهم، وقال: "يبقى نكمل... بس المرة دي، من غير أقنعة، من غير صوت مدفون، اللي هيكمل، هيكمل بصوته الحقيقي... واللي مش قادر، خلاص، ينام." الفصل الثاني – الطفولة: الكسر الأول كانت الدنيا أبسط، أو هكذا يُقال. لكن بالنسبة له، البساطة كانت وهم، قناع بتخفي تحته خيبات مبكرة. الطفل جالس في زاوية صغيرة من الذاكرة. ضوء خافت ينزل من فتحة فوق، لكن الضوء ما بيوصلش له كامل. كأن النور نفسه خايف يلمسه. صوته يطلع خفيف، مهزوز، كأنه بيكلم نفسه أكتر من أي حد تاني: "أنا ما كنتش بعيط عشان أعيّط… أنا كنت بعيّط عشان محدش فيهم سألني إنت مالك." كان بيحاول يمدّ صوته زي ما بيتمد إيده. بس كل مرة، بيرجع له الفراغ. في مشهد مش قادر ينساه، اتقال له: "الراجل ما يعيّطش." قالها له بصوت تقيل، كأنه بيصدر حكم مؤبد. ومن يومها، وقف البكاء. مش لأن الدموع خلصت، لكن لأنها بقت تهمة. "خبيت دموعي جوايا، حسيت إن كل مرة أعيّط فيها، بنقص، ببقى ضعيف، ببقى مش راجل." هكذا قال الطفل، بعينين شايلة سنين مش سنّه. وفي الخلف، خيال الشخصية المسيطرة كان بيبدأ يتكوّن، كل ما الطفل يسكت، كل ما خوفه يزيد، كل ما يكتم نفسه أكتر... كل ده كان بيتحول ببطء لدرع. درع تقيل، ما بيحميش قد ما بيخنق. المسيطر ما كانش شرير، بس كان رد فعل. كان كل شيء حواليه بينهار ببطء. الخلافات، الصراخ، الوعود اللي ما اتنفذتش، والأحضان اللي ما جتش لما كان محتاجها. كل يوم، كان الطفل بيرجع لسريره بنفس الحمل، لكن كل مرة بيزيد عليه حِتة. وكل مرة، بيحاول يتكلم، لكن الصوت ما بيطلعش. مرة... اتقال له "كفاية دراما." مرة تانية... "أنت ضعيف أوي." وفي مرة... مجرد نظرة تجاهل كانت كافية تخليه يصدق إنه عبء. في الليلة اللي اتكسر فيها للمرة الأخيرة، كان قاعد في الظلمة، دموعه بتنزل بصمت، مش عشان وجع جديد، لكن عشان مفيش مكان خلاص للوجع القديم. وفي اللحظة دي... الهواء حواليه اتغير. ظهر شخص... ما يشبهش حد تاني، وقف قدامه من غير ما يلمسه، من غير ما يقول اسمه. كان نابع من نفس الجرح... لكن ماكانش بيعيط. صوته طالع هادي، لكن تحته بركان: "بس كده؟ كل ده ساكت؟ مستني مين يطبطب؟ مستنيهم يحبوك؟ هم مش جايين." رفع الطفل عينه، بعينين حمر من البكاء، وقال بصوت مكسور: "أنا تعبت... أنا مش قادر أواجههم. كل ما أقول حاجة، بيتقال لي اسكت." ردّ الآخر، بنبرة أقسى من الحجر، مش مليانة قسوة، لكن مليانة حقيقة: "وأنا جيت... عشان أسكتك فعلاً. بس بطريقتي." "أنا مش جاي أطبطب، أنا جاي أحمي. هتشوف اللي بيحاولوا يضحكوا عليك؟ أنا اللي هقف قدامهم." "من دلوقتي... مافيش دموع. مافيش كلام. فيه سكوت تقيل، ونظرة تخوّف. فيه أنا." وساعتها... الطفل ما ردش. هو ما وافقش... بس ما اعترضش. وفي اللحظة دي، اتخلق "المسيطر". ما اتخلقش من القوة، لكن من الكبت. من الغضب اللي ما اتقالش، ومن كل رد فعل ما حصلش – المواجهة المكان فاضي... مفيش غير ظلال بتتحرك حوالين بعض، كأنهم داخل عقل واحد متشرخ. في النص، وقف هو، نفس الجسد، لكن العيون مختلفة. الصوت بيخرج من الطفل... أخيرًا. "أنا مش ضعيف... أنا كنت لوحدي. كنت بتكسر كل يوم، وبتقولي اسكت. كنت بخاف... وانت بتقولي ماتعيطش. ليه؟! ليه سبتني أتحول لتمثال ما بيحسش؟" المسيطر، واقف من بعيد، ظهره ليه، صوته ثابت، متماسك، لكن كل حرف كان بيقطع: "أنا حميتك من إنك تبقى فريسة. أنا اللي شلتك لما كنت بتنهار. أنا اللي اتكلمت لما صوتك ما كانش مسموع. مش ذنبي إنك بقيت خايف من كل شيء... ده ثمن الحماية." "بس أنا اتكتمت!" صرخ الطفل. "كنت عايز أتكلم، أصرخ، أقول إني موجوع. وانت... كتمتني بإسم النجاة." في اللحظة دي، ظهر الثالث. صوته... كان هادي لدرجة تخض. مش فيه حزن، ولا غضب، ولا رحمة. "كلكم غلطتوا. اللي اتكلم واتكتم، واللي كتم، واتخدع في قوته." بص لهم واحد واحد، وقال: "الوقت بيخلص. الخراب حوالينا مش هيستنانا نتصالح. لازم نقرر: هنواجه، ولا هنموت وإحنا مستخبيين جوا نفسنا؟" الطفل سكت... بس عيونه ما كانتش خايفة زي الأول. المسيطر بص للثالث، وقال لأول مرة بصوت مهزوز: "أنا ما بقيتش أعرف أفرق... أنا اللي محتاج الحماية دلوقتي." رد الثالث، بنفس نبرته الهادية: "كلنا محتاجين ده. بس السؤال الحقيقي... مين فينا مستعد يعيش؟ ومين فينا شايف إن الموت أسهل؟" المكان نفسه: رماد، فراغ، ضوء خافت لا يتحرك. أصوات بعيدة كأنها صدى من حياة سابقة.] الطفل (بصوت باكي، بيكتمه من غير ما ينجح): "كنت فاكر لو سكت... هيفهموني. لو ضحكت... هيحبوني. لو ما بكيتش... هكون قوي. بس أنا سكت، وضحكت، وما بكيتش... وبرضو اتساب قلبي لوحده." المسيطر (نظرة جامدة، بس صوته مكسور من جوه): "كنت كل مرة تتوجع... كنت أنا اللي بمسك الوجع في قلبي. كل مرة كنت هتقع، كنت أنا اللي بوقف. بس محدش وقفني. كلهم شافوا الجبل... ما شافوش الشروخ اللي بتاكلني من جوا." (يصمت لحظة، يتنفس بصعوبة) "أنا مش قد اللي جاي... ومش قادر أرجع." [صوت خطوات ناعمة، بارد، يدخل المشهد. الشخصية الثالثة – بصوت هادئ لا يُقرأ منه أي إحساس:] "مفيش حد غلط. بس مفيش حد بيفضل للأبد. انتهيتوا لما قررتوا تكملوا لوحدكم. وانا... دوري خلص." (يمد يده كأنه بيطفي نور كل واحد فيهم بعد ماقرروا ينهو حياتهم... ثم يسقط هو بهدوء ايضا بعد فسله في تصليح اي شيئ) [صمت تام . ثلاث جثث بلا حراك. الصمت كأنه صراخ مكبوت. مافيش حركة… لحد ما نسمع خطوات.] خطوات بتتهادى... لا مستعجلة، ولا بطيئة... بتغني بصوت هامس، كلمات مش مفهومة، لكن فيها إيقاع طفولي، شيطاني، مش طبيعي. ثم… تظهر. شخصية الفوضى. لا تتكلم… أول ما تظهر، تضحك. ضحكة خفيفة… رخيمة… بعدين أغمق… ثم فجأة قهقهة مجنونة. لكن مش مجنونة بشكل عشوائي، مجنونة بشكل واثق... واثق جدًا. تبدأ تتكلم، بصوت فيه سحر وقوة: "أووووف… دي كانت حفلة، بس ليه ما عزمتونيش؟" تتقدم بخفة، كأنها بتتمايل على موسيقى داخل دماغها هي بس. تقرب من الطفل، تبص له، تهمس: "كنت لطيف… بس طيب زيادة. والطيبة؟ أكتر حاجة بتفتح الباب ليا." تتجه للمسيطر، تبتسم بحنان ساخر: "إنت كنت فاكر إنك جبل… بس الجبال بتتفتت من جوه، وأنا… أنا الهوا اللي بينخر." ثم تمشي ناحيّة الهادئ، وتحط إيدها على قلبه. تصمت لحظة. ثم تهمس: "إنت اللي فتحتلي الباب… بموتك كانت البوابة الذهبية." ترفع راسها للسماء، تمد إيديها وكأنها بتتلقى شيء، وتقول (بصوت ساخر، هادي، عميق، فيه لمعة جنون): "هاه... كله خلص؟ مفيش حد قدر يكمل؟ حتى هو... ساب نفسه وسابنا." (بيمشي وسط الرماد، عينه على الجثث، لكن كأنه بيبص جوه عقلهم مش عليهم) "بس سابولي مساحة... مساحة نبدأ منها من جديد. أنا مش جاي أصلّح، أنا مش جاي أرجّع حد. أنا جاي... أضحّك." (بيضحك. ضحكة خفيفة، لكن بتشق الرماد. ضحكة مش علشان حاجة تضحك، لكن علشان مفيش حاجة فاضلة غير الضحك.) "هو محتاج يضحك... حتى لو اتحرق. حتى لو اتكسّر. اللي فاضل جوا الجسد دا؟ أنا." (يرفع إيده، كأن بيحاوط المكان، ووشه بيتحول للهواء) "من دلوقتي... مفيش وجع مفيش صمت فيه...بس ضحك 1 chapter
تمت كتابة هذا المحتوى بواسطة Coffee_63907 🇪🇬 ويعبر عن آرائه الشخصية فقط. نحن غير مسؤولين عن أي معلومات أو أفكار أو معتقدات غير صحيحة واردة فيه.
هل كانت هذه المعلومات مفيدة؟
0
0
التجربة أفضل عبر التطبيق
حمّل تطبيق توهيل على هاتفك لتجربة أسرع