لم أعد أرى نفسي زوجًا، لا لأنني أتهرّب، ولا لأنني أعاني من خلل في الشعور، بل لأنني أدركت متأخرًا أن بعض المفاهيم، حين تُغرس فيك مشوّهة، تُفسِد القدرة على رؤيتها كما ينبغي. الزواج بالنسبة لي لم يكن يومًا صورة دافئة… بل مرآة مكسورة، كلما اقتربت منها، جرحتني. كبرت في بيت لا يعرف الحنان، بين رجال لا يُجيدون إلا الصراخ أو الصمت، وبين نساء منهكات يخفين الانكسار خلف واجبٍ طويل لا ينتهي. شاهدت أعمامي وهم يتقاسمون الحقد، لا الميراث فقط، يتبادلون الغيرة وكأنها لغتهم الوحيدة، يعيشون في بيتٍ واحد، لكنهم لا يلتقون إلا في الخلاف، ولا يتحدثون إلا ليتهموا. لم يكن الأمر مجرد بيئة مشوّشة، بل كان تربةً رطبة نبتت في داخلي على هيئة نفور… نفور من كل شيء له علاقة بفكرة "العائلة". أنا لست خجلًا من قول ذلك… بل أشعر بكامل مسؤوليتي حين أواجه الحقيقة كما هي: لقد نشأت وسط كراهية مستترة، وتشوهات تُمرّر كالعادات، ومفاهيم عن الزواج تقوم على المال، والمظهر، والخضوع المتبادل باسم الحب. تعلّمت أن الزواج صفقة… لا التزامًا إنسانيًا. أن العلاقة تقوم لتُحمَل، لا لتُبنى. أن الرجل يُخيف، والمرأة تتآكل بصمت، والبيت ينهار من الداخل بصمتٍ نبيل. فماذا تنتظر مني بعد ذلك؟ أن أتجاوز كل ما رأيته كأن شيئًا لم يكن؟ أن أبدأ من نقطة لم أعرفها يومًا؟ أن أصدّق أنني قادر على الحب السليم، وأنا لم أتلقَّ منه جرعة واحدة طوال عمري؟ هذا ليس سوداوية… هذا وعيٌ مؤلم. أنا لا أرفض الزواج كقيمة، لكنني لا أراه واقعيًا بالنسبة لي… لا أراه طريقًا يمكنني أن أمشيه دون أن أتعثر بما في داخلي. أنا لا أعيش الآن لأنني مؤمن بالحياة… بل لأن الحياة ما زالت مستمرة حولي. لا شيء يجذبني لها… لا فكرة، لا شخص، لا حلم. أنا فقط أتنفس، وهذا وحده لا يعني أنني حيّ. ربما لو كنتُ غيري، لكان الطريق أسهل… لكنّي أنا، وهذا ما أنا عليه، وهذه حقيقتي دون تجميل.

2

3