لا أعتقد أن لحياتي مقدّمات محدّدة أبدأ بها. هل بدأت قصتي عندما وُلدت؟ أم عندما كنتُ نطفة؟ أم يومَ التقى والدَي؟ أم ربما مع بداية حياة والديهما؟ أو ما قبلهم؟ لكن إن تحدّثت عني الآن، فسأصف نفسي بأنني كومة من المشاعر والأحداث المختلطة. كل لحظة أعيشها أجدني أُحلِّلها وأتعمّق في الشعور بها، وأغوص في بئر مكتظ بالتساؤلات والحيرة والأجوبة. كأنني أعيش فلسفة لا يفهمها إلا من يفهم فلسفة نفسه. ورغم ذلك، ما زلتُ لم أتوصل إلى فهم شخصيتي؛ ما زلت قيد الدراسة والتجارب. أنا فرضيّة نفسي ومكتب دراساتي. أحيانًا أصل إلى استنتاجات مقنعة، وأحيانًا أقف أمام علامة استفهام لا أجد لها جوابًا. تجاربي في الحياة—نفسي، عائلتي، الطبيعة، المجتمع، كل ما هو حي وجامد—تخلق فيّ مشاعر وأفكارًا وأسئلة بلا حصر، وتفتح أبواب الربط بين الأحداث والزمن والمكان. وكأنني أشعر بكل شيء في آنٍ واحد… رحلة متواصلة من البحث عني. هل سنتوصل إلى نهاية؟ لا أعتقد أن لي بداية أرويها، فكلّي حكايات، ولا أضمن أن لي نقطة في نهاية قصتي. حتى بعد الممات ستكون قصة متواصلة تُروى. وكل ما قيل وما يُقال وسيُقال قد كُتب عند الله وحده. هو من خلقني وشكّلني في أحسن خُلق وخَلق، والحمد لله. أنا إشراق: فرضية، دراسة بلا نهاية… وبداية لا بداية. أروي عليكم تجاربي في الغوص في هذا البئر. ولعلّي كلّما غُصتُ أعمق، اكتشفتُ أن البئر لا قاع له… تمامًا كنفسي. وربما لا أبحث عن نهاية، بل عن دهشة البدايات المتكررة في داخلي. فها أنا أكتب لأتعلّم، وأتعلّم لأكتشف أن الرحلة هي القصة كلها.

2

1